فصل: الخبر عن زحف حمو وبني عبد الواد إلى بجاية ونكبتهم عليها وفتح تدلس من أيديهم بعدها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن زحف حمو وبني عبد الواد إلى بجاية ونكبتهم عليها وفتح تدلس من أيديهم بعدها:

كان الأمير أبو عبد صاحب بجاية لما اشتدت الفتنة بينه وبين عمه السلطان أبي العباس مع ما كان بينه وبين بني عبد الواد من الفتنة عند إياهم على تدلس يكابد حمل العداوة من الجانبين وصغا إلى مهادنة بني عبد الواد فنزل لهم عن تدلس وأمكن منها قائد العسكر المحاصر لها وأوفد رسله على سلطانهم أبي حمو بتلمسان وأصهر إليه أبو حمو في ابنته فعقد له عليها وزفها إليه بجهاز أمثالها فلما غلبه السلطان أبو العباس على بجاية وهلك في مجال حربه أشاع أبو حمو الامتعاض له المكان الصهر وجعلها ذريعة إلى الحركة على بجاية وزحف من تلمسان يجر الشوك والمدر في آلاف من قومه وطبقات العساكر والجند وتراجع العرب حتى انتهى إلى وطن حمزة فأجفل أمامه أبو الليل موسى بن زغلي في قومه بني يزيد وتحصنوا في جبال زواوة المطلة على وطن حمزة وبعث إليه رسله لاقتضاء طاعته فاوثقهم كتافا وكان فيهم يحيى حافد أبي محمد صالح نزع عن السلطان أبي العباس إلى أبي حمو وكان عينا على غزاة أبي الليل هذا لما بينهما من الولاء والجوار والوطن وجاء في وفد الوفادة عن أبي حمو فتقبض عليهم وعليه فقتله وبعث برأسه إلى بجاية وامتنع على أبي حمو وعساكره فأجلبوا إلى بجاية ونزل معسكره بساحتها وقاتلها أياما وجمع الفعلة على الآلات في الحصار وكان السلطان أبو العباس بالبلد وعسكره مع مولاه بشير بتكرارت ومعهم أبو زيان بن عثمان بن عبد الرحمن وهو عم أبي حمو من أعياص بيتهم وكان من خبره أنه كان خرج من المغرب كما نذكره في أخباره ونزل على السلطان أبي إسحق بالحضرة ورعى له أبو محمد الحاجب حق بعثه فأوسع في كرامته ولما غلب الأمير أبو عبد الله على تدلس بعث إليه من تونس ليوليه عليها وتكون ردأ بينه وبين حمو ويتفرغ هو للإجلاب على وطن قسنطينة فبادر إلى الإجابة وخرج من تونس ومر السلطان أبو العباس بمكانه من قسنطينة فصدر على سبيله واعتقله عنده مكرما فلما غلب على بجاية وبلغه الخبر بزحف أبي حمو أطلقه من اعتقاله ذلك واستبلغ في تكرمته وحبائه ونصبه للملك وجهز له بعض الآلة وخرج في معسكره مولاه بشير ليجأجىء به بني عبد الواد عن ابن عمه أبي حمو لما سئموا من ملكه وعنفه.
وكان زغبة عرب المغرب الأوسط في معسكر أبي حمو وكان على حذر من مغبة أمره معهم فراسلوا أبا زيان وائتمروا بينهم في الارجاف بالمعسكر ثم تحينوا لذلك أن يشب الحرب بين أهل البلد وأهل المعسكر فأجفلوا خامس ذي الحجة وانفض بالمعسكر وانتحوا إلى مضايق الطرقات بساح البلد فكفت بزحامهم وتركموا عليها فهلك الكثير منهم وخلفوا من الأثقال والعيال والسلاح والكراع ما لا يحيط به الوصف وأسلم أبو حمو عياله وأمواله فصارت نهبا واجتلبت حظاياه إلى السلطان فوهبها لابن عمه ونجا أبو حمو بنفسه بعد أن طاح في كظيظ الزحام عن جواده فنزل له وزيره عمران بن موسى عن مركوبة فكان نجاؤه عليه ونزل بالجزائر في الفل ولحق منها بتلمسان واتبع أبو زيان أثره واضطرب المغرب الأوسط كما نذكره في أخباره وخرج السلطان أبو العباس من بجاية على أثر هذه الواقعة فنازل تدلس وافتتحها وغلب عليها من كان بها من عمال بني عبد الواد وانتظمت الثغور الغربية كلها في ملكه كما كانت في ملك جده الأمير أبي زكريا الأوسط حين قسم الدعوة الحفصية بها إلى أن كان ما نذكره بعده إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن زحف العساكر إلى تونس:

كان أبو عبد الله ابن الحاجب أبي محمد بن تافراكين لما نزع عن السلطان أبي إسحق صاحب الحضرة لحق بحلل أولاد مهلهل من العرب ووفدوا جميعا على السلطان أبي العباس فاتح سنة سبع وستين وسبعمائة يستحثونه إلى الحضرة ويرغبونه في ملكها فاعتذر لهم لما كان عليه من الفتنة مع ابن عمه صاحب بجاية وزحف إليها في حركة الفتح وصاروا في جملته فلما استكمل فتح بجاية سرح معهم أخاه المولى أبا يحيى زكريا في العساكر فساروا معه إلى الحضرة وابن تافراكين في جملته فنازلوها أياما وامتنعت عليهم وأقلعوا على سلم ومهادنة انعقدت بين صاحب الحضرة وبينهم وقفل المولى أبو يحيى بعسكره إلى مكان عمله ولحق ابن تافراكين بالسلطان فلم يزل في جملته إلى أن كان من فتح تونس ما نذكره والله تعالى أعلم.

.الخبر عن مهلك السلطان أبي إسحق صاحب الحضرة وولاية ابنه خالد من بعده:

لما نزل السلطان أبو إسحق بالحضرة على ما ذكرناه وتخلف عن المهادنة مع السلطان أبي العباس طورا بطور واستخلص لدولتهم منصور بن حمزة أمير بني كعب يستظهر به على أمره ويستدفع برأيه وشوكته فخلص له سائر أيامه وعقد سنة تسع وستين وسبعمائة لابنه خالد على عسكر لنظر محمد بن رافع من طبقات الجنود من مغراوة مستبدا على ابنه وسرحه مع منصور بن حمزة وقومه وأوعز إليهم بتدويخ ضواحي بونة واكتساح نعمها وجباية ضواحيها فساروا إليها وسرح الأمير أبو يحيى زكريا صاحب بونة عسكره مع أهل الضاحية فأغنوا في مدافعتهم وانقلبوا على أعقابهم فكان آخر العهد بظهورهم ولما رجعوا إلى الحضرة تنكر السلطان لمحمد بن رافع قائد العسكر فخرج من الحضرة ولحق بقومه بمكانهم من لحفه من أعمال تونس واستقدمه السلطان بعد أن استعتب له فلما قدم تقبض عليه وأودعه السجن وعلى أثر ذلك كان مهلك السلطان فجأة ليلة من سنة سبعين وسبعمائة بعد أن قضى وطرا من محادثة السمر وغلبه النوم آخر ليله فنام ولما أيقظه الخادم وجده ميتا فاستحال السرور وعظم الأسف وغلب على البطانة الدهش ثم راجعوا بصائرهم ورفعوا الدهش عن أنفسهم وتلافوا أمرهم بالبيعة لابنه الأمير أبي البقاء خالد فأخذها له على الناس مولاه منصور سريحة من المعلوجين وحاجبه أحمد بن إبراهيم اليالقي وحضر لها الموحدون والفقهاء والكافة وانفض المجلس وقد انعقد أمره إلى جنازة أبيه حتى واروه التراب واستبد منصور وابن الباقي على هذا الأمير المنصوب للأمر فلم يكن له تحكم عليها وكان أول ما افتتحا به أمرهما أن تقبضا على القاضي محمد بن خلف الله من طبقة الفقهاء كان نزع إلى السلطان من بلده نفطة مغاضبا لمقدمها عبد الله بن علي بن خلف فرعى له نزوعه إليه واستعمله بخطة القضاء بتونس عند مهلك أبي علي عمر ابن عبد الرفيع ثم ولاه قود العساكر إلى بلاد الجرد وحربهم فكان له منها عناء واستدفعوه مرات بجايتهم يبعثون بها إلى السلطان ومرات بمصانعة العرب على الإرجاف بمعسكره وكان ابن اليالقي يغض بمكانه عند السلطان فلما اشتد على ابنه أعظم فيه السعاية وتقبض عليه وأودعه السجن مع محمد بن علي بن رافع ثم بعث عليهما من داخلهما في الفرار من الاعتقال حتى دبروه معه وظهر على أمرهما فقتلهما في محبسهما خنقا والله متولي الجزاء منه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ثم أظهر ابن اليالقي من سوء سيرته في الناس وجوره عليهم وعسفه بهم وانتزاع أموالهم وإهانة سبال الأشراف ببابه منهم ما نقموه وضرعوا إلى الله في إنقاذهم من ملكته فكان ذلك على يد مولانا السلطان أبي العباس كما نذكر إن شاء الله تعالى.